يقال ان خطيباً مفوهاً أو عالماً متبحراً كان على المنبر فقال لجماعة المسجد: اسألوني عما بدا لكم فإني أعلم علم كل شيء.
فقام أحد الجالسين في المسجد وسأله عن نمل سليمان أكان ذكراً أم أنثى؟ فقال الشيخ: لا أعلم.
عندئذ قام أبوحنيفة وكان حاضراً في المسجد وقال له: انزل عن المنبر فنزل فركب أبوحنيفة المنبر وقال: أنا أعلم ذلك، قالوا: كيف؟
قال: كان نمل سليمان أنثى، قيل: وكيف عرفت ذلك؟ قال: لأن الله قال عنها: قالت نملة ويقصد قول الله تعالى: “حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون” (النمل: 18).
ومن المتعارف عليه ان النمل إذا طلع له جناح كان ذلك دليلاً على موته، لكن من المعلوم علمياً انه يتباين المدى العمري لدى النمل، فالملكة التي تبيض تعيش فترة أطول، فقد يتراوح عمرها بين 10 و20 سنة.
وعمر الشغالات بين سنة وخمس سنوات، وأما الذكور فتعيش لبضعة أسابيع أو أشهر فقط.
إذن إذا رأينا النمل يطير فينبغي ان نعلم انه من الذكور التي أدت مهمة التزاوج فهي في طريقها الى الموت.
وإننا بعد ذلك ليس لنا إلا ان نقف مبهورين أمام مجتمع النمل المتماسك والمنظم، فهو يشبه مجتمع النحل، ولو أردنا ان نتحدث عن مملكة النمل أو النحل لاحتجنا الى صفحات.
نعود الى نملة سليمان عليه السلام وهي كانت ملكة النمل، فسليمان كرمه الله تعالى بأن حشر له جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون.
وهو بدوره كرم النملة بالنهي عن قتلها، بل وأكثر من ذلك فقد ورد انه خرج يوماً ليستقي، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها الى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك، وإلا تسقنا تهلكنا، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم، رواه ابن أبي حاتم.
إذاً نهى سليمان عن قتل النمل عندما رأى تقدير النملة له ولجنوده، قال تعالى: “حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب اوزعني ان أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين” (النمل: 18-19).
أنظر في هذه الآيات لتجد ان:
1- النمل لهم واد كما ان للبشر وادياً، فيقال القبيلة الفلانية تسكن وادي كذا كوادي الدواسر مثلاً، وهذا دليل على الكثرة والانتشار.
2- النمل لبق ويعرف أصول التعامل مع الأكبر جاهاً ومقاماً، لذلك قدر مقام نبوة سليمان.
3- الأنبياء لا يتعمدون أذى الناس، ولكن قد يصدر منهم لا شعورياً، والله لا يحاسب عبده إذا لم يكن لديه سبق إصرار على الإيذاء.
4- معرفة سليمان لغة النمل، وتلك كانت من معجزاته، فرأيناه تبسم للنملة وارتاح لتقديرها وأدبها.
5- معرفة لغة الطيور والحشرات نعمة من الله، لذا شكر سليمان ربه عليها ولم يتجبر لعلمه ان الغرور ليس من صفات الأنبياء ولا الصالحين.
6- مطلوب منا كلما رأينا نعمة من الله علينا ان نشكر الله ونتذكر والدينا أيضاً بالدعاء الصالح، فحق الوالدين مقترن دائماً بحق الله سبحانه وتعالى، لأن الذي أوجدنا هو الله سبحانه وتعالى أولاً ثم الوالدان.
7- النملة حشرة عظيمة ينبغي للانسان ان يتأمل في حياتها ويستفيد من حكمتها وطول جلدها وهمتها، فهي لو لم تكن عظيمة لما سمى الله سورة بأكملها باسمها.
منقول